أليس لك حاجة..؟.
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله الظاهر والباطن والأول والآخر،أكرمنا بأن أطال في أعمارنا فأدركنا العشر الأواخر؛أحمده جل شأنه وأشكره على نعم عجزنا عن إحصاء الأول منها والآخر،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ولا مظاهر،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله بلغ دين الله حتى غدا كالشمس ظاهر فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد:ف{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102).
معاشر المؤمنين مررت بجموع من الناس أمام بوابة تكدست،وتحت حر الشمس وقفت وازدحمت،ولساعات طويلة انتظرت،فسألت ما الأمر فقالوا هؤلاء ثلة من الفقراء والمحتاجين يقفون كل يوم أمام بوابة هذا الغني علَّه يخرج فيرى حالهم ويتصدق عليهم بشيء من المال..!.فتعجبت..!.وتساءلت أين المزدحمون على باب قاضي الحاجات؟. أين المزدحمون على باب ملك الملوك؟. أين المزدحمون على باب مغني الأغنياء؟. أين المزدحمون على باب من بيده خزائن السموات والأرض؟.أين المزدحمون على باب من يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء؟. أين المزدحمون على باب من قال في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّرضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى(..يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ..))(مسلم،البر والصلة والأدب،ح(4674))؟.أين المزدحمون على باب العظيم جل في علاه الذي فتح أبوابه لجميع خلقه على مدار العمر بقوله:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }(البقرة:186).ما بالنا أصبحنا نرى المزدحمين في الأسواق والشوارع في ليالي قضاء الحاجات،في ليالي العتق من النيران أكثر من المزدحمين على المحاريب والمساجد..!. إني أنادي كل واحد منهم وأقول: يا عبد الله أما لك عند ربك حاجة..؟.كيف لا يكون لك حاجة إلى الذي خلقك وسواك وعدلك ورزقك ..؟. كيف لا يكون لك إلى الله حاجة وأنت الفقير إليه في كل أمورك قرر ذلك ربك بقوله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }(فاطر:15).أنت الفقير إلى الله في طعامك..أنت الفقير إلى الله في شرابك..أنت الفقير إلى الله في لباسك..أنت الفقير إلى الله في عافيتك..أنت الفقير إلى الله في سمعك وبصرك..أنت الفقير إلى الله في كل أمورك حتى في أنفاسك التي تتردد في صدرك..فقلي بربك أين أنت من الوقوف والتذلل بين يدي قاضي الحاجات ومفرج الكربات..؟. أخي الحبيب ألا تشعر كما أشعر أنا بثقل الذنوب والمعاصي على قلوبنا حتى فقدنا الكثير من لذة الطاعة وحلاوة المناجاة..؟. ألست معي أننا بحاجة إلى التذلل والتضرع إلى الله أن يكشف عن قلوبنا تلك الغُمَّة..؟.ألست معي بأن ذنوبنا قد تكاثرت وعظمت وأننا بحاجة إلى مغفرة من الكريم عظيمة لننجو بها من نار تلظى..من نار وقودها الناس والحجارة..؟. ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى قصر منيف بني لَبِنَةً من فضة و لَبِنَةً من ذهب نعيش فيه حياة لا موت بعدها..؟.ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى التلذذ بهدير الأنهار تجري من تحتنا { ..أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى }(محمد:15)؟.
ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى التنعم بلباس الحرير الناعم المترف..؟.ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى أن نشرب بآنية الذهب والفضة بغير حرج شرعي يطوف علينا بها غلمان لنا كأنهم من جمالهم لؤلؤ مكنون..؟. ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى العيش في مكان فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين..؟.ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى العيش في مكان لا نسمع فيه لغواً ولا كذاباً إلا قيلاً سلاماً سلاماً..؟.ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى مكان نتلذذ فيه بما نشاء من أنواع اللحوم والفواكه وأطايب المأكولات والمشروبات دون الخشية من الأمراض أو الحاجة للذهاب لمكان القاذورات؛حيث تخرج الفضلات مسكاً يرشح.؟.ألست معي بأني وإياك بحاجة إلى أن نمشي إلى أرض حصباؤها اللؤلؤ..؟.ألست معي بأني وإياك بحاجة لزوجة حسناء حوراء وجهها أجمل من فلقة القمر،تكاد تضيء من جمالها،تفور أنوثة وعطراً وحباً،إذا نطقت كان صوتها أعذب لحن سمعته في حياتك،وإذا صمتت كاد جمالها أن ينطق،وإذا مشت رقصت معها الأرض طرباً لدلالها،فتاة في فورة الشباب وريعان الصبا،بكرلم يمسها أحد قبلك من الإنس والجان،تقصر طرفها عليك ولا تمد عينها لغيرك..؟.ألست معي بأني وإياك بحاجة لمتعة النظر إلى جلال وجه ربنا الكريم الذي خلقنا وهدانا وبلًّغنا رمضان والعشر الأواخر منه.؟.بلى وربي إنا بحاجة لكل ذلك ولحاجات أخرى كثيرة يصعب حصرها في هذا المقام؛إذاً فهيا معي أحبتي إلى أبواب الكريم المشرعة؛هيا معاشر الفقراء إلى أبواب الغني،فهذا ربكم يناديكم مرحباً بكم بقوله:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }(غافر:60).
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.أما بعد:فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن كل ما ترجون من خير ونعيم قد أعده الله لكم هناك في جنانكم التي أعدت لكم فهي تنتظركم؛وهاهو الكريم يزينها لكم في كل يوم من هذا الشهر المبارك ويخاطبها بقوله( يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ الْمَئُونَةَ وَالْأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ))(أحمد،باقي مسند المكثرين،ح(7576)). معاشر المؤمنين ما من أيام أرجى أن تعتق رقابكم من النار فيها من هذه الأيام العشر،يا أصحاب الحاجات ما من أيام أرجى أن تقضى فيها حوائجكم من هذه الأيام العشر،يا طلاب الدرجات العلا في الجنة بكثرة العمل الصالح ما من أوقات أرجى لكم من ليلة القدر،ليلة ثوابها خير من ألف شهر،وقد أخفاها ربكم الكريم في هذه العشر لينظر إلى تنافسكم في طلبها؛فهيا أحبتي في الله هي جميعاً شيباً وشباناً رجالاً ونساء هيا لنفزع إلى ربنا هي لنقف على بابه في ذلة وخضوع،هيا لنتعرض لنفحات ربنا،وثقوا بأن ربكم رحمان رحيم،عفو غفور كريم،كيف لا وهو القائل:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ()وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ()وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } (الزمر:53-55).هيا أحبتي في الله فإنها وعزة ربي وجلاله فرصة عظيمة قد لا تتاح لنا مرة أخرى فما يدريك أخي وما يدريني وما يدرينا جميعاً فقد تعود علينا العشر الأواخر من رمضان في العام القادم ونحن تحت التراب نتقطع حسرة على تفريطنا.
منقوووووووووووووووووووول