وصف المؤرخون مصعب بن عمير بأنه كان أعطر أهل مكة، لأنه اذا كان مشى في طرف الشارع شم الناس في بيوتهم رائحة طيبه في طرف الشارع الآخر. كيف لا وهو الذي ولد في النعمة وعاش في الترف وظفر من التدليل والدلال بالشيء الكثير، حيث كان الشاب المدلل والمنعم من قبل اهله. ولكن فجأة تغير مجرى حياته رأسا على عقب، فما ان سمع مصعب بمحمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي ارسله الله سبحانه وتعالى بشيرا ونذيرا يدعو الناس الى الاسلام حتى سبق ريح الصحراء وزوابعها وذهب الى دار الارقم بن ابي الارقم وشهد شهادة الحق، وهو يعلم انه بذلك يتحدى طغيان وجبروت قريش، التي اخذت تصب نيران غضبها على محمد واتباعه، وتنزل العذاب والاذى كعاصفة هوجاء على كل من يدخل الاسلام، وكأنها تريد ان تقتلع الدعوة المحمدية من صدور المؤمنين.
ثبات على الحق
عندما علمت قريش ان فتاها المدلل آمن واسلم جن جنونها اما خناس بنت مالك والدة مصعب والتي كانت صاحبة شخصية قوية تهاب الى حد الرهبة فقد طار صوابها وما كانت ابدا ترضى بأن يترك ابنها دين الآباء والاجداد، وبعدما فشلت محاولاتها وذهبت ادراج الرياح قررت ان يسجن ويحرم من كل ما كان يتمتع به، ومع ذلك فإن مصعب وقف كجبل شامخ واصر على ان يتحمل خصومة امه، بل كان على استعداد لأن يقارع ويصارع قوة قريش الجبارة. وهذا لا بد ان يكون شأن المسلم الصادق الذي لا يضعف امام الاغراء ويصمد ويصبر عند المحن والشدائد. وهكذا بدأت الالام والمعاناة تتسرب الى حياة مصعب الذي ظل سجينا حتى تمكن من اغفال حراسه فهرب من حبسه وفر مع ثلة من المسلمين الى الحبشة، لأن بيئة مكة لم تعد صالحة وغير مستعدة لتقبل الاسلام فرمالها الناعمة تحولت الى لاهبة تحرق اجساد المؤمنين مثل بلال بن رباح وعمار بن ياسر، وقلوب اهلها اصبحت جامدة وقاسية مثل جبالها، مثل قلب ابي جهل وابي لهب وغيرهما من زعماء مكة. وبعد ان مكث مصعب في الحبشة عاد الى مكة، ليكون ذلك الوداع الاخير والحزين بينه وبين امه، التي قالت له: “اذهب لشأنك لم اعد لك أما، قسما بالثواقب لا ادخل في دينك فيضعف عقلي”. فإذا به يترك امه وقلبه يعتصر من الألم ويتمزق من الحزن.
المهمة الدعوية
وبعد بيعة العقبة اختار الرسول صلى الله عليه مصعب بن عمير ليدعو الى الاسلام ويعلم القرآن لمن اسلم من أهل يثرب، فهاجر الى المدينة وهناك اخذ يدعو اهلها الى الاسلام وهي مهمة شاقة وفي غاية الخطورة ولكن بسبب اخلاقه الحميدة وحسن بلائه واخلاصه وكياسته دخل اغلب سكان المدينة الاسلام، وهناك مواقف تدل على ذلك ففي احد الايام جاء اليه أسيد بن حضير وكان في زعماء المدينة هو في قمة الغضب كأنه بركان ثائر فقال لمصعب وأسعد بن زرارة: “ما جاء بكما الى حينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة”. فإذا بمصعب يخاطبه بكل هدوء ولين ورجاحة عقل قائلا: “أو لا تجلس فتستمع؟ فإن رضيت قبلته وان كرهته كففنا عنك ما تكره”. فقال أسيد: “انصفت” فأخذ مصعب يقرأ ويفسر له الاسلام وسرعان ما انفرجت اسارير اسيد واشرقت مثل نور وضوء الفجر فهتف: “كيف يصنع من يريد ان يدخل الاسلام فما احسن هذا الكلام”، فقال له مصعب: “يطهر بدنه وثوبه ويشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله”. ففعل اسيد ذلك وباسلامه اسلم كل من سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وغيرهما كثير من اهل يثرب، وكل ذلك بفضل مصعب، وهذا ما يجب ان يكون عليه الداعية بحيث يدعو الناس الى الاسلام برفق ووداعة والموعظة الحسنة، وان يكون حليما بهم يصبر ويتحمل اذاهم، ويكون قدوة واسوة طيبة لهم في اخلاقه واقواله وافعاله، لأن الاسلام دين الرحمة والعدل وليس دين التطرف والارهاب.
شهيد أحد
وتمضي سنوات وتقع غزوة بدر حيث ينتصر المسلمون، وبعدها تسعى قريش الى الأخذ بثأرها فتأتي جحافل الشر الى المدينة لمحاربة الاسلام، ويقع اختيار الرسول عليه الصلاة والسلام على مصعب لكي يحمل اللواء في احد، وتدور رحى المعركة فإذا بالسيوف تتعانق والصفوف تتصادم، ويتحقق النصر في بداية المعركة للمسلمين ولكن عندما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدأت الفوضى والذعر بل الهزيمة تتغلغل الى صفوف المسلمين وهنا ادرك مصعب حجم الخطر فإذا به يصول ويجول في ميدان المعركة يضرب يمنة ويسرة بكل استبسال، وتروي لنا كتب السيرة المشهد الاخير لحياة مصعب: “حمل مصعب اللواء يوم احد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضربه على يده اليمنى فقطعها فأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فانفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء”. وهكذا يستشهد هذا الصحابي الجليل، وعندما اراد المسلمون دفن مصعب لم يجدوا ما يكفنونه به الا بردة اذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه واذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك فبكى وقال: “لقد رأيتك بمكة ما بها ارق حلة ولا احسن لمة منك ثم ها انت ذا شعث الرأس في بردة”. ثم امرهم بأن يغطوا بها رأسه وان يجعلوا على رجليه من نبات الاذخر.
تضحيات جسام
واذا تأملنا في صفحات حياة مصعب رضي الله عنه لا نجد الا التضحية والفداء والايثار، فلقد ضحى بالمال والجاه، وغادر الثراء الباذخ، والنعمة الوارفة، ليرمي بنفسه في احضان الفاقة يجوع اياما ويأكل يوما، وقد خرج يوما على بعض الصحابة وهم جلوس حول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرتدي جلبابا مرقعا باليا، فما ان رأوه حتى غضوا ابصارهم وذرفت عيونهم، فقال عليه الصلاة والسلام: “لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى انعم عند ابويه منه لقد ترك ذلك كله حبا لله ورسوله” كما انه ضحى بأمه وبوطنه عندما هاجر الى الحبشة ثم الى المدينة وفضل الغربة والوحشة على ارضه ومرتع شبابه، ثم فدى الاسلام بروحه ونفسه حيث قتل شهيدا في غزوة احد رضي الله عنه. وهوالذي كان يلقب بمصعب الخير، وما اكثر ابواب الخير في الاسلام، فتبسمك في وجه اخيك صدقة وهو خير، وتبرعك ولو بدرهم لمحتاج هو خير، وابعاد الاذى عن الطريق خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير، وقول الحق خير، والدفاع عن المظلوم خير.
ثبات على الحق
عندما علمت قريش ان فتاها المدلل آمن واسلم جن جنونها اما خناس بنت مالك والدة مصعب والتي كانت صاحبة شخصية قوية تهاب الى حد الرهبة فقد طار صوابها وما كانت ابدا ترضى بأن يترك ابنها دين الآباء والاجداد، وبعدما فشلت محاولاتها وذهبت ادراج الرياح قررت ان يسجن ويحرم من كل ما كان يتمتع به، ومع ذلك فإن مصعب وقف كجبل شامخ واصر على ان يتحمل خصومة امه، بل كان على استعداد لأن يقارع ويصارع قوة قريش الجبارة. وهذا لا بد ان يكون شأن المسلم الصادق الذي لا يضعف امام الاغراء ويصمد ويصبر عند المحن والشدائد. وهكذا بدأت الالام والمعاناة تتسرب الى حياة مصعب الذي ظل سجينا حتى تمكن من اغفال حراسه فهرب من حبسه وفر مع ثلة من المسلمين الى الحبشة، لأن بيئة مكة لم تعد صالحة وغير مستعدة لتقبل الاسلام فرمالها الناعمة تحولت الى لاهبة تحرق اجساد المؤمنين مثل بلال بن رباح وعمار بن ياسر، وقلوب اهلها اصبحت جامدة وقاسية مثل جبالها، مثل قلب ابي جهل وابي لهب وغيرهما من زعماء مكة. وبعد ان مكث مصعب في الحبشة عاد الى مكة، ليكون ذلك الوداع الاخير والحزين بينه وبين امه، التي قالت له: “اذهب لشأنك لم اعد لك أما، قسما بالثواقب لا ادخل في دينك فيضعف عقلي”. فإذا به يترك امه وقلبه يعتصر من الألم ويتمزق من الحزن.
المهمة الدعوية
وبعد بيعة العقبة اختار الرسول صلى الله عليه مصعب بن عمير ليدعو الى الاسلام ويعلم القرآن لمن اسلم من أهل يثرب، فهاجر الى المدينة وهناك اخذ يدعو اهلها الى الاسلام وهي مهمة شاقة وفي غاية الخطورة ولكن بسبب اخلاقه الحميدة وحسن بلائه واخلاصه وكياسته دخل اغلب سكان المدينة الاسلام، وهناك مواقف تدل على ذلك ففي احد الايام جاء اليه أسيد بن حضير وكان في زعماء المدينة هو في قمة الغضب كأنه بركان ثائر فقال لمصعب وأسعد بن زرارة: “ما جاء بكما الى حينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة”. فإذا بمصعب يخاطبه بكل هدوء ولين ورجاحة عقل قائلا: “أو لا تجلس فتستمع؟ فإن رضيت قبلته وان كرهته كففنا عنك ما تكره”. فقال أسيد: “انصفت” فأخذ مصعب يقرأ ويفسر له الاسلام وسرعان ما انفرجت اسارير اسيد واشرقت مثل نور وضوء الفجر فهتف: “كيف يصنع من يريد ان يدخل الاسلام فما احسن هذا الكلام”، فقال له مصعب: “يطهر بدنه وثوبه ويشهد ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله”. ففعل اسيد ذلك وباسلامه اسلم كل من سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وغيرهما كثير من اهل يثرب، وكل ذلك بفضل مصعب، وهذا ما يجب ان يكون عليه الداعية بحيث يدعو الناس الى الاسلام برفق ووداعة والموعظة الحسنة، وان يكون حليما بهم يصبر ويتحمل اذاهم، ويكون قدوة واسوة طيبة لهم في اخلاقه واقواله وافعاله، لأن الاسلام دين الرحمة والعدل وليس دين التطرف والارهاب.
شهيد أحد
وتمضي سنوات وتقع غزوة بدر حيث ينتصر المسلمون، وبعدها تسعى قريش الى الأخذ بثأرها فتأتي جحافل الشر الى المدينة لمحاربة الاسلام، ويقع اختيار الرسول عليه الصلاة والسلام على مصعب لكي يحمل اللواء في احد، وتدور رحى المعركة فإذا بالسيوف تتعانق والصفوف تتصادم، ويتحقق النصر في بداية المعركة للمسلمين ولكن عندما خالف الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدأت الفوضى والذعر بل الهزيمة تتغلغل الى صفوف المسلمين وهنا ادرك مصعب حجم الخطر فإذا به يصول ويجول في ميدان المعركة يضرب يمنة ويسرة بكل استبسال، وتروي لنا كتب السيرة المشهد الاخير لحياة مصعب: “حمل مصعب اللواء يوم احد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضربه على يده اليمنى فقطعها فأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فانفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء”. وهكذا يستشهد هذا الصحابي الجليل، وعندما اراد المسلمون دفن مصعب لم يجدوا ما يكفنونه به الا بردة اذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه واذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك فبكى وقال: “لقد رأيتك بمكة ما بها ارق حلة ولا احسن لمة منك ثم ها انت ذا شعث الرأس في بردة”. ثم امرهم بأن يغطوا بها رأسه وان يجعلوا على رجليه من نبات الاذخر.
تضحيات جسام
واذا تأملنا في صفحات حياة مصعب رضي الله عنه لا نجد الا التضحية والفداء والايثار، فلقد ضحى بالمال والجاه، وغادر الثراء الباذخ، والنعمة الوارفة، ليرمي بنفسه في احضان الفاقة يجوع اياما ويأكل يوما، وقد خرج يوما على بعض الصحابة وهم جلوس حول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يرتدي جلبابا مرقعا باليا، فما ان رأوه حتى غضوا ابصارهم وذرفت عيونهم، فقال عليه الصلاة والسلام: “لقد رأيت مصعبا هذا وما بمكة فتى انعم عند ابويه منه لقد ترك ذلك كله حبا لله ورسوله” كما انه ضحى بأمه وبوطنه عندما هاجر الى الحبشة ثم الى المدينة وفضل الغربة والوحشة على ارضه ومرتع شبابه، ثم فدى الاسلام بروحه ونفسه حيث قتل شهيدا في غزوة احد رضي الله عنه. وهوالذي كان يلقب بمصعب الخير، وما اكثر ابواب الخير في الاسلام، فتبسمك في وجه اخيك صدقة وهو خير، وتبرعك ولو بدرهم لمحتاج هو خير، وابعاد الاذى عن الطريق خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير، وقول الحق خير، والدفاع عن المظلوم خير.